مؤتمر وطني يعطي دفعة جديدة للحركة المناهضة لعقوبة الإعدام.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
نظمت الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، وكعادتها كلّ سنتين إلى ثلاث سنوات، “الندوة الوطنية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان”، وهذا العام بالشراكة مع المنظمة الفرنسية “معاً ضدّ عقوبة الإعدام” (ECPM)؛ وذلك في “بيت المحامي” بالتعاون مع نقابة المحامين في بيروت، يومي الجمعة والسبت ٢٤-٢٥ كانون الثاني ٢٠١٣، وبمشاركة أكثر من 250 شخصاً.
وتندرج قضية إلغاء عقوبة الإعدام، ضمن الأهداف الأساسية في عمل الهيئة، بوصفها الجمعية اللبنانية المتخصّصة في مناهضة الإعدام محلياً وعربياً وحتى عالمياً بخبرات احترافية ومتعدّدة الجوانب. لذا تكرّس لها برنامجًا سنويًا، من دراسات وبدائل ورصد الإحصاءات وتحرّكات نضالية وتدريب النشطاء الجدد والتربية في المدارس وإصدار أول دليل تدريبيّ ومواكبة السجناء ونشر في الإعلام وإعداد الأفلام ومشاركة مع التحالفات العالمية والعربية…
أما ممثل جمعية ECPM رافاييل شونوي- هازان Raphaël Chenuil-Hazan، فشدّد في كلمته الحيوية على المسار العالمي المتزايد نحو دول خالية من الإعدام، وقد بات الرقم 141 دولة لا تطبّق هذه العقوبة. وبشكل خاص، حثّ أصحاب القرار في لبنان على تقديم شيئ ملموس في هذا العام بالذات، كون لبنان دخل ومنذ 4 أيام من تاريخ هذا المؤتمر، في عِداد الدول الممتنعة عن تنفيذ الإعدام وفق المعايير العالمية لتصنيف الدول في هذا المجال، لكونه لم يطبّق الإعدام منذ 20 كانون الثاني 2004 أي منذ 10 سنوات. وهذا إنجاز، على لبنان أن يفتخر به، ولكن أن يحصّنه رسمياً ويتقدّم به نحو الإلغاء الكلّي. كما أعرب عن تقديره العالي للحملة اللبنانية والتي كانت أول حملة في المنطقة العربية وثمارها تبدو جليّة ومتواصلة، مع السعادة بالتعاون الدائم معها ومع الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية.
كلمات الافتتاح تولاّها كلّ من: نقيب المحامين في بيروت جورج جريج، مؤسّس الحملة الوطنية لإلغاء الإعدام المفكر اللاعنفي وليد صليبي، وزير العدل شكيب قرطباوي، رئيسة البعثة الأوروبية في لبنان، سفير السويد في لبنان، ووزير العدل السابق ابراهيم نجار ممثلاً المفوضية الدولية لمناهضة الإعدام ICDP.
وقد شدّدت كلماتهم على قيمة الحق في الحياة وعلى أهمية المحافظة على مبادئ شرعة حقوق الإنسان، وأن يتذكّر لبنان رياديته في هذا المجال وتعطّشه الحالي إلى قرارات ومواقف تخفّف من ذهنية العنف والانتقام. وشدّدت أيضاً على أولوية أن تتماثل غاياتنا مع وسائلنا، فلا تكون العدالة بتنفيذ عملية قتل ولا يتماثل القانون بالجريمة، “فجريمتان لا تصنعان عدالة”، وفق ما كتبه منذ 16 عاماً د. وليد صلَيبي في كتابه “عقوبة الإعدام تقتل” وكرّرها عنه في الافتتاح وزير العدل قرطباوي.
ثمّ لحظة أخرى مؤثّرة، وقفة ضميرية مع قصيدة كتبها أحد المحكومين بالإعدام في سجن روميه، وحملتها الهيئة واعتنت بها تلحيناً وإنشاداً، وأعدّ لها المنسّق السمعي البصري في الهيئة طوني داوود، فيديو كليب مؤثّراً وجميلاً تمّ عرضه في الافتتاح وشارك في تجسيد مضمونه شباب اعتلوا المسرح وأنهوا النشيد برمي “طائرات ورقية” إلى الصالة وعليها كلمات المحكوم بالإعدام…
وفي ختام جلسة الافتتاح، تم الإعلان عن إعادة إطلاق الحملة الوطنية أي التحالف اللبناني من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان، بتنظيم جديد وهيئة تنسيق جديدة، مع الاستمرار في التوسّع وازدياد عدد أعضائها وقد بلغ 77 هيئة مدنية وحزباً ومئات النشطاء من كلّ لبنان.
في البرنامج
امتدّت فعاليات المؤتمر على يومين، واستضافت خبراء وممثّلي هيئات وتحالفات مناهضة لعقوبة الإعدام، من 6 بلدان: فرنسا، إسبانيا، إنكلترا، إيرلندا، المغرب، وتونس، ولبنان.
أما النقاشات فتمحورت بشكل أساسي، حول واقع الإعدام في لبنان، التشريع، مشاريع واقتراحات القوانين المطروحة لإلغاء الإعدام، المحكومين القابعين في السجون، الإحصاءات، حال السجون، واقع التحقيقات الأولية، واقع المعونة القضائية، واقع قانون تخفيض العقوبات، مسيرة الحملة الوطنية وسبل تفعيلها واستراتيجيات الشراكة العربية والعالمية، دور المحامين والقضاة في الدفع قُدُمًا باتجاه إلغاء هذه العقوبة وتعزيز التعاون بين نقابتي بيروت وطرابلس مع نقابة باريس، إضافةً إلى أولوية دور التربية في تنشئة أجيال مناهضة للإعدام ولذهنية الانتقام منذ مقاعد الدراسة مع إدخال هذا الموضوع في الجامعات.
شهادات حيّة من: محامين عاملين مع السجناء والمحكومين بالإعدام بينهم المحامية مسؤولة قسم حقوق الإنسان في نقابة محامي باريس آن سوليلياكAnne Souleliac والمحامية حسنا عبد الرضى (لبنان)، شهادة من زينة دكاش الناشطة مع السجناء، من أنطوانيت شاهين المحكومة بالإعدام سابقاً، من المحاميين رفيق زخريا (الهيئة اللبنانية) وزياد عاشور (جمعية عدل ورحمة) الزائرين الدائمين إلى المحكومين بالإعدام، وشهادات مدرّبين على ثقافة مناهضة الإعدام في المدارس من مصطفى مرزاوي (تونس) وتانيا عوض غرّة (الهيئة اللبنانية)، وماريان روسّي Marianne Rossi (فرنسا ECPM) وجوليا بو كرّوم (منظمة العفو الدولية).
وتُعتَبَر ورشتي العمل التدريبيّتين الاحترافيتين، إضافةً نوعيّة في ندوة هذا العام، حيث اختصّت الأولى بتدريب تربوّيين على تعليم مناهضة عقوبة الإعدام في المدارس، والثانية بتدريب المحامين والحقوقيين على استراتيجيّات الدفاع عن المحكومين بالإعدام. وفي ختامهما، تمّ توزيع إفادات رسمية، باكتساب معرفية علمية وتطبيقية، على المشاركين في الورشتين.
وستصدر أعمال المؤتمر في كتاب باللغتين العربية والفرنسية.
وخلال المؤتمر، أعلنت الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية عن إطلاق “شبكة التربية على ثقافة مناهضة عقوبة الإعدام”، و”شبكة الحقوقيين المناهضين لعقوبة الإعدام”، وذلك تتويجاً لعملها الدؤوب والمتخصص في هذين المجالين، داعيةً الحاضرين والمناهضين للإعدام إلى الانضمام إليهما.
وفي الختام صدرت توصيات مبدئية وعملية، تلاها المحامي عصام سباط باسم الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، وأبرز ما جاء فيها:
الثناء على،
– الالتزام القويّ من السياسيين والناشطين والقضاة اللبنانيين من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في الحركة الوطنية والتحالف اللبناني لمناهضة عقوبة الإعدام،
– التزام وزير العدل، السيد شكيب قرطباوي بعدم التوقيع على تنفيذ أحكام الإعدام خلال فترة ولايته، والالتزام القوي من جانب نقيب المحامين في بيروت جورج جريج لصالح إلغاء عقوبة الإعدام.
– دينامية المجتمع المدني اللبناني الناشط لمناهضة عقوبة الإعدام، ودوره الرياديّ على المستوى الإقليمي كونه أول من أطلق حملة وطنية وتحالفاً مدنياً واسعاً من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، وعلى الإنجازات التي حققتها هذه الحملة على طريق إلغاء هذه العقوبة.
– أيضاً، الثناء على النداء الموجّه إلى كل نقابات المحامين في العالم، من قبل نقابتي بيروت وباريس خلال مشاركتهما في المؤتمر العالمي الخامس ضدّ الإعدام في مدريد في حزيران 2013، والذي يعود مؤتمر بيروت ويؤكد على مضمون ذاك النداء حول الالتزام التام لنقابات المحامين بمبدأ إلغاء عقوبة الإعدام.
الأسف العميق،
لوضع المحكومين بالإعدام في لبنان، وعددهم الحالي 64 شخصاً بينهم امرأة واحدة، وهم يقبعون في السجون في ممرّات الموت وجحيم القلق اليومي من إمكانية إعدامهم كلّ فجر، وجميعهم من الفقراء والمهمّشين ويفتقرون إلى المساعدة القانونية… والأسف لاستمرار صدور أحكام إعدام بالأخص في المحاكم العسكرية، وللتحدّيات والعقبات العديدة التي تحول دون صدور قرار سياسي سريع لإلغاء عقوبة الإعدام في لبنان، مع أن لبنان من الدول التي قطعت مسافة كبيرة في هذا الاتجاه لا سيّما بفضل الحملة الوطنية.
الدعوة إلى،
– دعوة السياسيين والنواب اللبنانيين إلى الاستمرار في التزامهم بإلغاء عقوبة الإعدام، مرتكزين على المبادرات السابقة التي قاموا بها وباتت في صلب مسيرة هذا البلد، وضمان إدماج الاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها لبنان في النظام القانوني المحلي؛
– دعوة الدولة اللبنانية إلى إضفاء الطابع الرسمي على الموراتوريوم moratorium أو وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، الساري منذ ١٠ أعوام، وذلك عبر التصويت خلال الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة في كانون الأول 2014 لصالح القرار العالمي بوقف تنفيذ أحكام الإعدام، وأيضاً ضمان تنفيذ المعايير الدولية بشأن ظروف احتجاز المحكومين بالإعدام في السجون اللبنانية؛
– دعوة القضاة اللبنانيين إلى استخدام سائر الإمكانيات وهامش السلطة التقديرية المعطى لهم قانوناً، للامتناع عن النطق بأحكام إعدام.
– دعوة نقابة المحامين في بيروت لمواصلة دورها الكبير، بالتعاون وبدعم من نقابة المحامين في باريس، نحو إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان، والدفاع عن المحكومين بالإعدام، فضلاً عن الانضمام إلى التحالف العالمي ضدّ عقوبة الإعدام، وتعزيز دور معهد حقوق الإنسان بوصفه عضوًا في التحالف اللبناني، إضافة إلى تفعيل المعونة القضائية. أيضاً، دعوة نقابة محامي طرابلس للانضمام إلى المبادرات التي صدرت عن هذا المؤتمر، بالتعاون مع نقابة المحامين في بيروت ومع التحالف اللبناني لمناهضة الإعدام.
– تشكيل لجان لإعادة دراسة ملفات المحكومين بالإعدام، لا سيّما الذين حكموا بموجب القانون 302/94 وقد جرى إلغاؤه عام 2001 بينما لا يزالون هم في السجن ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام.
– دعوة المنظمات والقادة في مجال التعليم لتثقيف الأجيال الشابة في مجال حقوق الإنسان ونبذ العنف وإلغاء عقوبة الإعدام، وأيضا للانضمام إلى الشبكة التربوية التي أطلقتها الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية وتمّ الإعلان عنها بالشراكة مع جمعية “معاً ضدّ عقوبة الإعدام” ECPM والتي ستكون شبكة عالمية في مرحلة قريبة.