لماذا استأنف الأردن إعدام الأشخاص في عنابر الموت؟
آسيا
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
الحرب على الإرهاب
إن الأهمية التي يكتسيها هذا البلد حاليا في المنطقة بسبب الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية تجعلها أكثر ثقة في تنفيذ مثل هذه العقوبة (أودون 2015)
في عام 2005، بعد مواجهة ضغوط دولية بسبب أوضاع حقوق الإنسان في المملكة الأردنية واستمرار الإعدامات في حالات عدد كبير من الجرائم، أعلن الملك عبد الله أن الأردن “يمكن أن يصبح قريبا أول بلد في الشرق الأوسط ليست فيها عقوبة الإعدام.” وفي عام 2006، احتج مجلس حقوق الإنسان على اتساع نطاق الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام حسب القانون الأردني. وفي ردّه في عام 2007، أعلن الملك أن الإعدامات سيوقف تنفيذها حتى إشعار آخر.
إن اعتماد المملكة على المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي كان محركا لسياستها المناوئة لعقوبة الإعدام في أواسط العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وذلك مع وجود وعود بتوقيع معاهدات ثنائية لتبادل المجرمين وتسهيلات خاصة تُسمح للأردنيين الذين يدخلون بلدان الاتحاد الأوربي. ومع ذلك، يبدو أنه مع الارتفاع الكبير للأنشطة الإرهابية وتوسع تنظيم داعش، حصل الأردن على مكانة جديدة في الساحة الدولية باعتباره حليفا في الحرب ضد الإرهاب.
في الماضي، كان يُخشى استئناف الإعدامات وذلك وسط مخاوف من أن المساعدات الدولية ربما تكون مشروطة بتحقيق تقدمٍ في أوضاع حقوق الإنسان في الأردن وقطْعِ خطوات نحو إلغاء عقوبة الإعدام. إلا أنه ومع دخول الأردن في الحرب ضد الإرهاب، فقد ازداد ثقةً بأن استئناف عقوبات الإعدام لن تتم مواجهتها بعواقب وخيمة، خاصة فيما يتعلق بتدفق المساعدات الدولية نحو هذا البلد (الصباغ 2014). وكما تقول تقارير ‘أودون’ وهي تنقل عن المحلل السياسي عريب الرنتاوي:
يقول الرنتاوي: “يواجه الأردن إدانة من الدول الغربية، ]ولكن[ بدون ضغوط أو شروط مرتبطة بالمساعدات الاقتصادية أو الدعم السياسي. إن الأهمية التي يكتسيها هذا البلد في المنطقة حاليا بسب الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية تجعلها تزداد ثقة في تنفيذ مثل هذه العقوبة” (2015).
الردع وصورة الدولة
“كان الهدف هو إرسال رسالة واضحة إلى أي شخص يحاول أن يقوّض أمن البلاد. ” فالإعدامات هي “مصير جميع أولئك الذين يقترفون المخالفات الإجرامية”. (المدعي العام لدائرة عمان).
مع الظروف الدولية الجديدة التي أمّنت المساعدات الاقتصادية للأردن من الضغوط بسبب حقوق الإنسان، إضافة إلى نجاة المملكة من التغيرات السياسية الجذرية التي رافقت انتفاضات 2011 وذلك دون وقوع تغير جذري في النظام، فإن عقوبة الإعدام كانت سياسية مُغريا تبنّيها لتعزيز صورة الدولة باعتبارها قوية وآمنة. وهكذا، وأمام الضغوط السياسية الداخلية على أداء الحكومة اقتصاديا، خاصة فيما يتعلق بالمعدلات المرتفعة للبطالة والفقر، احتاجت الدولة إلى تعزيز صورتها وشعبيتها من خلال استئناف عقوبة الإعدام مُبرّرة سياستها بالردع ومكافحة الجرائم والإرهاب. إضافة إلى ذلك، كان استئناف عقوبة الإعدام وسيلة لتهدئة قطاعات واسعة من السكان الذين يؤيدون عقوبة الإعدام لأنها تتوافق مع الأيديولوجية التقليدية للمحكمة المتمثلة بالانتقام.
أعلنت وزارة الداخلية غداة استئناف الإعدامات في 21 من ديسمبر/كانون الأول 2014 أن الردع هو الهدف الرئيسي لاستئناف تنفيذ عقوبات الإعدام بعد ارتفاع معدلات الجريمة منذ منع الإعدامات. إلا أن كثيرا من المُعلقين عبّروا عن اعتراضهم على هذا التصريح، وهم يرُدّون بأن الارتفاع في معدلات الجريمة مرتبط بارتفاع عدد السكان “من ستة ملايين إلى أكثر من تسعة ملايين في فترة تقل عن خمس سنوات، وهذا لا شك أنه كان عاملا ساهم في ارتفاع معدلات الجريمة.”
وفي السنوات التالية، الشيء الذي بدأ بإعدام الناس لغرض ردع جرائم القتل والاغتصاب، تحوّل إلى سياسة الانتقام ضد جرائم الإرهاب التي ارتُكبت ضد أردنيين. في سنة 2015، قام الاردن بإعدام ساجدة الريشاوي التي كانت ضالعة في عام 2005 في تفجيرات عمان، والكربولي الذي كان عضوا في تنظيم القاعدة وقد أدين بقتل مواطن أردني، وقد أُعدِم انتقاما على إحراق معاذ الكساسبة. في سنة 2017، تم إعدام 15 شخصا أخرين، كان عشرة منهم قد أدينوا بمخالفات مرتبطة بالإرهاب. وتشير التقارير إلى أن اختيار مرتكبي المخالفات الذين يتم إعدامهم لم يكن اختيارا عشوائيا، فالأشخاص الذين أعدموا كانوا معروفين بشكل خاص بسبب جرائم تداولتها وسائل الإعلام كثيرا وشغلت الرأي العام في الأردن لفترة طويلة، وذلك في تأكيد إضافي لتعزيز شرعية الدولة وهيبتها باعتبارها دولة قوية وصارمة على الجرائم.
ويُظهر تقييمٌ اجْرِي بعد مرور ثلاث سنوات على استئناف تنفيذ عقوبة الإعدام أن عقوبة الإعدام لم تُظهر أي علامة للنجاح. ففيما يتعلق بالردع عن جرائم القتل والاغتصاب التي يعاقب عليها القانون الأردني بالإعدام، ليس هناك أي دليل يُظهر انخفاضا في معدلات الجرائم أو تحسنا للأوضاع الأمنية نتيجة لتطبيق عقوبة الإعدام. وفيما يتعلق بالردع ضد الجرائم المرتبطة بالإرهاب، فإن الهجمات الإرهابية استمرت في سنتي 2015 و2016، كما يقول تقرير سانتشيز.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقع هجومٌ في الموقر ضد الجيش أسفر عن مقتل ستة أشخاص. في مايو/أيار 2016، تم تفكيك خلية إربد. وفي يونيو/حزيران 2016، وقع هجومٌ ضد مكتب دائرة المخابرات العامة في مخيم البقعة للاجئين. وهناك اغتيال الكاتب ناهض حتر في سبتمبر/أيلول 2016، والهجوم في الكرك في ديسمبر/كانون الأول 2016، بالإضافة إلى عدد من الهجمات التي قامت بها مجموعات متطرفة ضد الجيش الأردني على الحدود السورية.
والخلاصة هي أن استئناف الأردن تطبيق عقوبة الإعدام يبدو أنه حالة تقليدية تتمثل في اختيار مواجهة العنف بالعنف. وبدلا من توجيه جهود الدولة للقضاء على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى المعدلات المرتفعة للجرائم، ونشر الوعي لمواجهة أيديولوجية الانتقام القبلية التقليدية ومكافحة الأيديولوجية المتطرفة لتنظيم داعش، فإن الأردن اختار أن يقتل مرتكبي المخالفات في سعي منه لبث ردْعٍ تبيّن أنه غير ناجح. وكما يقول كُتّاب: “هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أجل خفض معدلات الجريمة والارهاب.” يستطيع المرء أن يأمل بأنه، نظرا لإخفاق عقوبة الإعدام في تحقيق الأهداف المُعلنة للمملكة، فإنها ستعيد النظر في موقفها وتتحرك نحو إلغاء عقوبة الإعدام. إلا أن هذا الأمل يبدو ضئيلا لأن الصوت المهيمن للعنف والحرب على الإرهاب سوف يبقى يهيمن على الساحة.
بقلم: هند حنفي مرشحة لنيل الدكتوراه، كلية القانون، جامعة كيمبريدج
فئات
الأردن